فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {اهبطوا مِصْرًا} تقدّم معنى الهبوط؛ وهذا أمر معناه التعجيز؛ كقوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50].
لأنهم كانوا في التِّيه وهذا عقوبة لهم.
وقيل: إنهم أعطوا ما طلبوه.
و{مِصْرًا} بالتنوين منكَّرًا قراءة الجمهور، وهو خطّ المصحف.
قال مجاهد وغيره: فمن صَرَفها أراد مِصْرًا من الأمصار غير معيَّن.
وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله: {اهبطوا مِصْرًا} قال: مِصْرًا من هذه الأمصار.
وقالت طائفة ممن صَرَفها أيضًا: أراد مِصْرَ فرعون بعينها.
استدلّ الأوّلون بما اقتضاه ظاهر القرآن من أمرهم دخول القرية، وبما تظاهرت به الرواية أنهم سكنوا الشام بعد التِّيه.
واستدل الآخرون بما في القرآن من أن الله أوْرث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم، وأجازوا صرفها.
قال الأخفش والكسائي: لخفّتها وشبهها بِهنْد ودَعْد؛ وأنشد:
لم تَتَلَفّعْ بفضل مِئزرها ** دَعْدٌ ولم تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ

فجمع بين اللغتين.
وسيبويه والخليل والفرّاء لا يجيزون هذا؛ لأنك لو سَمّيت امرأة بزيد لم تصرف.
وقال غير الأخفش: أراد المكان فَصرف.
وقرأ الحسن وأَبَان بن تَغْلِب وطلحة: {مِصْرَ} بترك الصرف.
وكذلك هي في مصحف أُبيّ بن كعب وقراءة ابن مسعود.
وقالوا: هي مصر فرعون.
قال أشهب قال لي مالك: هي عندي مصر قريتك مسكن فرعون؛ ذكره ابن عطية.
والمِصر أصله في اللغة الحدّ.
ومِصر الدّار: حدودها.
قال ابن فارس ويقال: إن أهل هَجَر يكتبون في شروطهم اشترى فلان الدار بِمُصُورها أي حدودها؛ قال عَدِيّ:
وجاعلُ الشمسِ مصرًا لا خفاءَ به ** بين النهار وبين الليل قد فَصلاَ

قوله تعالى: {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} ما نصب بإن.
وقرأ ابن وثَّاب والنَّخَعِي {سألتم} بكسر السين؛ يقال: سألت وسلت بغير همز.
وهو من ذوات الواو، بدليل قولهم: يتساولان. اهـ.
قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة}.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} فالمعنى جعلت الذلة محيطة بهم حتى مشتملة عليهم فهم فيها كمن يكون في القبة المضروبة أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازم كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه والأقرب في الذلة أن يكون المراد منها ما يجري مجرى الاستحقاق كقوله تعالى فيمن يحارب ويفسد: {ذلك لَهُمْ خِزْىٌ في الدنيا} فأما من يقول المراد به الجزية خاصة على ما قال تعالى: {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صاغرون} [التوبة: 29] فقوله بعيد لأن الجزية ما كانت مضروبة عليهم من أول الأمر.
أما قوله تعالى: {والمسكنة} فالمراد به الفقر والفاقة وتشديد المحنة، فهذا الجنس يجوز أن يكون كالعقوبة، ومن العلماء من عد هذا من باب المعجزات لأنه عليه السلام أخبر عن ضرب الذلة والمسكنة عليهم ووقع الأمر كذلك فكان هذا إخبارًا عن الغيب فيكون معجزًا.
أما قوله تعالى: {وَبَاءو} ففيه وجوه.
أحدها: البوء الرجوع، فقوله: {باءو} أي رجعوا وانصرفوا بذلك ولا يقال باء إلا بشر.
وثانيها: البوء التسوية.
فقوله: {باءو} أي استوى عليهم غضب الله.
قال الزجاج.
وثالثها: باؤ أي استحقوا، ومنه قوله تعالى: {إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ} [المائدة: 29] أي تستحق الإثمين جميعًا.
وأما غضب الله فهو إرادة الانتقام. اهـ.

.قال القرطبي:

ومعنى {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} أي أُلزِموهما وقُضِيَ عليهم بهما؛ مأخوذ من ضرب القباب، قال الفرزدق في جَرِير:
ضربتْ عليك العنكبوتُ بنَسْجها ** وقَضَى عليك به الكتابُ الْمُنْزَلُ

وضرب الحاكم على اليد؛ أي حمل وألزم.
والذَّلّة: الذُّلّ والصَّغار.
والمسكنة: الفقر.
فلا يوجد يهوديّ وإن كان غَنِيًا خاليًا من زِي الفقر وخضوعه ومهانته.
وقيل: الذلة فرض الجِزْية؛ عن الحسن وقتادة.
والمسكنة الخضوع، وهي مأخوذة من السكون؛ أي قلّل الفقر حركته؛ قاله الزجاج.
وقال أبو عبيدة: الذِّلة الصِّغار.
والمسكنة مصدر المسكين.
وروى الضّحاك بن مُزاحم عن ابن عباس: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} قال: هم أصحاب القَبَالات.
قوله تعالى: {وَبَاءُوا} أي انقلبوا ورجعوا؛ أي لزمهم ذلك.
ومنه قوله عليه السلام في دعائه ومناجاته: «أَبُوءُ بنعمتك عليّ» أي أُقِرّ بها وأُلزمها نفسي.
وأصله في اللغة الرجوع؛ يقال باء بكذا، أي رجع به.
وباء إلى المَبَاءة وهي المنزل أي رجع.
والبواء: الرجوع بالقَوَد.
وهم في هذا الأمر بَوَاء؛ أي سواء، يرجعون فيه إلى معنىً واحد.
وقال الشاعر:
ألاَ تَنْتَهِي عنّا ملوكٌ وتَتّقي ** محارِمَنا لا يَبْؤُؤُ الدّمُ بالدّمِ

أي لا يرجع الدّم بالدم في القَوَد.
وقال:
فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايَا ** وأُبْنَا بالملوكِ مُصَفَّدِينَا

أي رجعوا ورجعنا. اهـ.

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله} وفى سورة آل عمران: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة} فأخر في سورة آل عمران ما قدم ذكره في سورة البقرة فيسأل عن ذلك ووجهه والله أعلم أنهم لما سألوا في البقرة عن مأكلهم ما فيه خسة وما يستلزم الذلة والصغار والمهنة في التوصل إلى الانتفاع به وذلك ما طلبوه في قولهم: {فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها} عوضا مما لا تكلف فيه ولا مشقة من المن والسلوى الذي كان ينزل عليهم عند الحاجة بغير مؤنة ولهذا قيل لهم: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذى هو خير} فلما سألوا ما يستلزم مهنة النفس ودناءة الحال لما أجرى به الله تعالى العادة من أن الذي سألوه لا يتوصل إليه إلا بتكلف ومشقة فلما سألوا ما حاصله خسة وامتهان ناسب ذلك أن يناط به وينبئ عليه ذكر ضرب الذلة والمسكنة عليهم ثم أعقب ذلك ما باؤوا به من غضب الله الذي سبق به القدر عليهم ونعوذ بالله من غضبه.
ولما تقدم في آل عمران قوله تعالى: {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} ناسب هذا تقديم ما لا نصرة لهم معه ولا فلاح وهو ما باؤوا به من غضب الله عليهم فقال تعالى: {وباؤوا بغضب من الله} فجاء كل على ما يناسب ويلائم والله أعلم بما أراد. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله} فهو علة لما تقدم ذكره من ضرب الذلة والمسكنة عليهم وإلحاق الغضب بهم.
قالت المعتزلة: لو كان الكفر حصل فيهم بخلق الله تعالى كما حصلت الذلة والمسكنة فيهم بخلقه لما كان جعل أحدهما جزاء الثاني أولى من العكس، وجوابه المعارضة بالعلم والداعي، وأما حقيقة الكفر فقد تقدم القول فيها.
أما قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق} فالمعنى أنهم يستحقون ما تقدم لأجل هذه الأفعال أيضًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {بِغَيْرِ الحق} تعظيم للشُّنْعة والذّنب الذي أتوه.
فإن قيل: هذا دليل على أنه قد يصح أن يُقتلوا بالحق؛ ومعلوم أن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يُقتلون به.
قيل له: ليس كذلك؛ وإنما خرج هذا مخرج الصفة لقتلهم أنه ظُلم وليس بحق؛ فكان هذا تعظيمًا للشُّنعة عليهم؛ ومعلوم أنه لا يُقتل نبيّ بحق، ولكن يُقتل على الحق؛ فصرّح قوله: {بِغَيْرِ الحق} عن شُنعة الذنب ووضوحه؛ ولم يأت نبيّ قط بشيء يوجب قتله.
فإن قيل: كيف جاز أن يخلّى بين الكافرين وقتل الأنبياء؟ قيل: ذلك كرامة لهم وزيادة في منازلهم؛ كمثل من يُقتل في سبيل الله من المؤمنين، وليس ذلك بُخذلان لهم.
قال ابن عباس والحسن: لم يُقتل نبيّ قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكلُّ مَن أمر بقتال نُصِر. اهـ.

.قال الماوردي:

وفي قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قولان:
أحدهما: أن الله عز وجل؛ إنما جاز أن يُخَلِّيَ بين الكُفَّار وقتلِ الأنبياء، لينالوا من رفيع المنازل ما لا ينالونه بغيره، وليس ذلك بخذلان لهم، كما يفعل بالمؤمنين من أهل طاعته.
والثاني: وهو قول الحسن، أن الله عز وجل، ما أمر نبيًّا بالحرب إلا نَصَرَهُ فلم يُقتَلْ، وإنما خلَّى بين الكفار وبين قتل مَنْ لم يؤمر بالقتال مِنَ الأنبياء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {بغير الحق} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه: بغير جرم، قاله ابن الأنباري.
والثاني: أنه توكيد، كقوله تعالى: {ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
والثالث: أنه خارج مخرج الصفة لقتلهم أنه ظلم، فهو كقوله تعالى: {رب احكم بالحق} فوصف حكمه بالحق، ولم يدل على أنه يحكم بغير الحق. اهـ.

.قال ابن جزي:

{بغير الحق} هنا باللام للعهد لأنه تقررت الموجبات لقتل النفس، وفي آل عمران {بغير حق} بالتنكير، لاستغراق النفي، لأن تلك نزلت في المعاصرين لمحمد- صلى الله عليه وسلم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال النسفي:

{بغير الحق} عندهم أيضًا فإنهم لو أنصفوا لم يذكروا شيئًا يستحقون به القتل عندهم في التوراة. اهـ.

.قال السمعاني:

{بغير الحق} قلنا ذكره وصفًا للقتل، والقتل يوصف تارة بالحق وتارة بغير الحق، وهو مثل قوله تعالى: {قال رب احكم بالحق} ذكر الحق وصفًا للحكم لا أن حكمه ينقسم إلى الجور والحق. اهـ.

.قال السعدي:

{بغير الحق} زيادة شناعة، وإلا فمن المعلوم أن قتل النبيين لا يكون بحق، لكن لئلا يظن جهلهم وعدم علمهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{بغير الحق} تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه، فإن قيل هذا دليل على أنه قد يصح أن يقتلوا بالحق ومعلوم أن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يقتلون به؟
قيل له: ليس كذلك، وإنما خرج هذا مخرج الصفة لقتلهم أنه ظلم، وليس بحق، فكان هذا تعظيمًا للشنعة عليهم، ومعلوم أنه لا يقتل نبي بحق، ولكنه يقتل على الحق. اهـ.

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بالله ويقتلون النبيين بغير الحق} وفى سورة آل عمران: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق} وفيها بعد: {لن يضروكم إلا أذى} إلى قوله تعالى: {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق} بتنكير حق في هذين الموضعين وتعريفه في البقرة واختصاص الآية الأخيرة بجمع التكسير فيما جمع في الآيتين جمع سلامه فقيل: {النبيين} في الآيتين وقيل في هذه الأخيرة الأنبياء مكسرا فهذان سؤالان.
والجواب عن الأول والله أعلم، بعد العلم بأن المذكورين في الآيات الثلاث من بنى إسرائيل قد اجتمعوا في الكفر والاعتداء أن هذه الآية الأخيرة لما كانت فيمن شاهد منهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وعاين تلك البراهين واستوضح أنه الذي أخبر به موسى وغيره صلى الله عليهم أجمعين وتكاثرت الأدلة في أمره ثم لم يجد ذلك عليهم إلا التمادى في الكفر والعناد من بعد ما تبين لهم الحق كان الأنسب لمرتكبهم في كفرهم أن يعبر عنهم أنهم ارتكبوه بغير سبهة ولا سبب يمكن التعلق به فقوله تعالى: {بغير حق} كأنه مرادف لأن لو قيل: بغير سبب ولا سبهة وذلك أوغل في ذمهم وسوء حالهم لأنهم لا يمكنهم في مرتكبهم تعلق بشئ البتة ولا أدنى شبهة ولما كانت الأولى في سورة البقرة إنما هي في سلفهم ممن لم يشاهد أمر محمد صلى اله عليه وسلم وقد وقع الافصاح فيها بكفرهم بعد تعريفهم بذكر آلاء ونعم وقد ورد فيها أن بعض تلك المرتكبات أو أكثرها قد عفى عنهم فيها ولا شك أن بعضهم قد سلم مما وقع فيه الأكثر من كفرهم وقد أفصحت آي بذلك فيما ذكر عقبها من أن الكفر السابق عمومه في جميعهم ليس على ما يبدو منه والله أعلم وإنما هو راجع إلى أكثرهم فقد دخله خصوص يدل عليه قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا منهم قولا} وقوله تعالى: {وأكثرهم فاسقون}، فهم وإن وصفوا من الكفر والاعتداء بما وصفوا ليسوا في ارتكاب البهت والمجاهرة بالباطل وموالاة التمرد والاعتداء وحال معاينة البراهين كحييى بن أخطب وأشباهه من المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم والمشاهدين أمره فناسب حال أولئك الذين لم يشاهدوه ما وقع التعبير به من قوله تعالى: {بغير الحق} إذ ليس المعرف في قوة المنكر المرادف لقولك بغير سبب وأيضا فقد تقر عندهم من كتابهم أن مسوغ قتل النفس تقدم قتل النفس بغير حق قال تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أى في التوراة أن النفس بالنفس} وتقرر أيضا في كتابهم رجم الزانى المحصن وقد عرفنا ذلك من دينهم بالخبر الصحيح وأنهم اعترفوا بذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد إنكارهم وقوله تعالى في خطاب موسى عليه السلام لهم بقوله: {ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} فعرف بعظيم جريمة الارتداد والظاهر أن حكم المرتد عندهم القتل كحكمه عندنا وكيف ما كان فقد استقر عندهم ما يسوغ القتل ويوجبه بعد الإيمان وقد علموا أن الاتبياء عليهم السلام مبرؤون من ذلك كله فقوله تعالى: {بغير الحق} أى بغير وجه الحق المبيح للقتل فالألف واللام للعهد في المسوغ المتقرر في شريعتهم فقد افترق مقصد الآيتين وأما الأولى من آيتى آل عمران فخاصة بالمتمادين منهم على الكفر ولا تتناول الآية من أولها إلى آخرها خلافه فهى كالآية الثانية فيما أعطته ودلت عليه من التمرد والتمادى على الضلال فناسبها التذكير كالتى بعدها وهما معا بخلاف آية البقرة إذ لم يتقدم في هاتين ما تقدم في تلك ولا حال المذكورين في هاتين كحال من ذكر في تلك والله أعلم بما أراد.
والجواب عن السؤال الثانى: أن جمع التكسير يشمل أولى العلم وغيرهم وجمع السلامة يختص في أصل الوضع بأولى العلم وإن وجد في غيرهم فبحكم الالحاق والتشبيه كقوله تعالى: {إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين} وما يلحق بهذا.
وإذا تقرر هذا فورود جمع السلامة في قوله في سورة البقرة: {ويقتلون النبيين بغير الحق} مناسب من جهتين: إحداهما شرف الجمع لشرف المجموع والثانية مناسبة زيادة المد لزيادة أداة التعريف في لفظ الحق وأما الآية الأولى من سورة آل عمران فمثل الأولى في مناسبة الشرف ومناسبة زيادة المد للزيادة في الفعل العامل في اللفظ المجموع في قراءة من قرأ: {يقاتلون} ولما لم يكن في الآية الثالثة سوى شرف المجموع وكانت العرب تتسع في جموع التكسير فتوقعها على أولى العلم وغيرهم أتى بالجمع هنا مكسرا لتحصل اللغتان حتى لا يبقى لمن تحدى بالقرآن حجة إذ هم مخاطبون بما في لغاتهم فلا يقصر في شيء من خطابهم على أحد الجائزين دون الآخر إلا ألا يتكرر فإذ ذلك يرد على وجه واحد مما يجوز فيه فتفهم ما أجملته فسوف يتضح لك به إذا استوفيته ما يعينك على فهم الإعجاز. اهـ.